آخر الأحداث والمستجدات 

هل أتاك حديث الدولة التي ... تعنف أساتذتها حاملي الشواهد العليا

هل أتاك حديث الدولة التي ... تعنف أساتذتها حاملي الشواهد العليا

يعيش المغرب مؤخراَ مسلسلا رهيبا من عنف الدولة عن طريق جهازها البوليسي في حق نساء و رجال التربية و التعليم المطالبين بحقهم في الترقية بالشواهد على غرار من سبقوهم في ذلك في السنوات القليلة الماضية و من يتخرجون حاليا من مراكز التربية و التكوين، عنف بدأ بالتهديد اللفظي و المعنوي عبر الطلعات الإعلامية التي يقوم بها المسؤولون من حين إلى آخر لإخضاع المتضررين لمباراة الترقية غير العادلة ، ثم أخذ ينحدر باتجاه عنف من نوع قديم و بدائي يتجلى في اللكم و الرفس و صولا إلى الاعتقالات و المحاكمات.

نساء و رجال التعليم و عبرهم نقاباتهم التعليمية و الأحزاب السياسية التي تعج هياكلها بالمئات من هذا النوع البشري الذي يهوى النضال عبر كل القنوات المتاحة، انقسموا ظاهراً بين مؤيد و معارض لهذا الشكل النضالي للمطالبة بحق مشروع في ظل دستور جديد يحفظ الحقوق، و حكومة أفرزتها الصناديق التي أشرف معظم هؤلاء المضطهدين على نزاهة جل مراحلها، و كانت إلى أمد قريب ملجأ و منجى كل مهضومي الحقوق. لكن يبدو أن ذلك كله لم يكن إلا مسرحيات تحت أضواء كاشفة للنوايا و حتى للعورات.

 الزعماء السياسيين و النقابيين المغاربة يتابعون الأحداث أمام شاشات الحواسيب لكي يشاهدوا تطورات المجازر التي استأسدت فيها أجهزة القمع المخزنية ببدلاتهم الرسمية و تجهيزاتهم المتطورة لتلاحق وتضرب مجموعة من الأساتذة الذين يمارسون مهنة شريفة تنمي العقول و ترقى بها إلى مستوى تجعل الأجيال القادمة تعي مسؤولياتها و تتولى الدفاع عن و طنها و تحارب كل أنواع الفساد المستشري في جل الإدارات الرسمية، و جاؤوا اليوم للمطالبة بحق يقلص الفوارق و يجعلهم يستشعرون قيمة المساواة و العدل في بلد يحكمه حزب شعاره محاربة الفساد و الاستبداد، لترسم أحداثا رهيبة أغمضت عدسات الإعلام الرسمي المخزني عيونها عليها و لم تقو على رصدها، كما امتنعت عن الإشارة  لها و لو بشريط أخبار في أسفل شاشاتها أثناء عرض برامجها السخيفة.

إن انحدار العنف الى هذا المستوى فجأة ، لا يمكن ان يؤشر على نهاية الوضع المتفجر في مدينة الرباط و أمام المباني الحكومية و ربما في مجموعة من المدن الأخرى التي لا شك أنها تعلن عن سخطها لا تضامنا مع الأساتذة المقموعين ، و إنما مطالبة بأبسط شروط العيش الكريم من صحة و تعليم و ماء و كهرباء....

فأن تختلف النقابات التعليمية وتنقسم حول موضوع معين ليس بذاته إشكالا ضخماً. وأن يقوم الأساتذة حسب الفئات و المطالب الخاصة بإنشاء تنسيقيات وطنية للدفاع عن حقوقها ليس بذاته موضوعاً قد يثير التفرقة النقابية أو يكرس سلبية المواقف الحزبية بالضرورة. لكن السياق الذي تحدث فيه هذه المسرحيات الدرامية يثير لدى جل نساء و رجال التعليم  أكثر من سؤال، خصوصا خروج بعض التنسيقيات للنقابات الأكثر تمثيلية في بعض الأقاليم و الجهات المعدودة ببيانات تضامنية و تسطيرها لبرامج نضالية مؤيدة للملف المطلبي لهذه الفئة وصلت إلى إعلان موقف تنظيم مسيرات إلى الرباط  للمساندة و المؤازرة، ما سيدفع بالمركزيات النقابية بعد هذا الحرج إلى رفع الكمامات على أفواهها و إعلان التضامن و المساندة و لو باحتشام  شديد.

على أي حال فإن ما يحدث من تعنيف و تنكيل بالأساتذة المعتصمين بالرباط لا يمكن إلا أن يعكس حالة التفكك المتقدمة  على مستوى دواليب تسيير شؤون البلاد و العباد من مؤسسات دستورية  و أحزاب سياسية و نقابات عمالية و تعليمية. حالة تحول مطالبة اعتيادية بحق معين يمكن الاستجابة له بجرأة سياسية بسيطة إلى احتقانات مؤسسية منخرطة في خلق أجواء عنف غير مسبوقة في هذا البلد الذي يصعب علينا اعتباره دولة بالمفهوم الديموقراطي العام لكونه يفتقد لسمات دولة عصرية تحترم الحقــوق و المواطنين.

لقد بات من المؤكد أن جل المغاربة المنفتحين على كل الوسائل المتطورة للاتصال بالعالم الخارجي  بدؤوا يعون بشكل واضح التناقض الكبير على الأقل بين ما يرونه على أرض واقعهم اليومي  بالمقارنة مع دول أخرى تعيش الديموقراطية الحقيقية . تناقضٌ يجعلهم في وضعية الاعتراض الدائم و الانتفاض المكبوت.

إن الأستاذ المعنف بالرباط  و الذي لا يمكن تصنيفه إلا في خانة المثقف المغربي الواعي بذاته و بما يدور حوله ، قد تعلم معنى الدولة الحديثة القائمة على مبدأ الحق  و الواجب  في إطار عام يسمى القانون و ضرورة تساوي الناس كمواطنين إزاءه. و هو لم يعد يطيق أن يهمش بناء على أسس غير أسس المساواة في الحقوق ما دام الكل يقوم بنفس القدر من الواجبات و في نفس الظروف و بنفس المواصفات أيضا، كما لم يعد يستحمل العيش في دولة صحصح فيها الفساد و كشر عن أنيابه بنسب تتفاوت  بتفاوت درجة المسؤولية. و لم يعد يقبل بشعارات انتخابية تنتهي صلاحياتها بانتهاء عملية التصويت و إعلان النتائج. و لم يعد بمقدورهم تحمل قرارات دولة تكرس الفوارق الاجتماعية ضاربة عرض الحائط كل المواثيق الدولية و الدساتير الوضعية.

إن ما نتمناه حقا ، هو أن تتحرك السلطات العليا بهذا الوطن لوضع حد لهذا الاحتقان الدامي، الذي لا يخدم جميع قضايانا الوطنية الكبرى منها إصلاح منظومة التعليم  من جهة و قضية استقرار بلدنا و وحدته الترابية من جهة أخرى، فإنه لا خير في وطن يضطهد فيه معلموه و يهان فيه مثقفوه ...

جميع الحقوق محفوظـة © المرجو عند نقل المقال، ذكر المصدر الأصلي للموضوع مع رابطه.كل مخالفة تعتبر قرصنة يعاقب عليها القانون.
الكاتب : ذ.إدريس كصى
المصدر : هيئة تحرير مكناس بريس
التاريخ : 2013-12-12 21:43:55

 تعليقات الزوار عبر الفايسبوك 

 إعلانات 

 صوت و صورة 

1  2  3  4  5  6  7  8  9  المزيد 

 إعلانات 

 إنضم إلينا على الفايسبوك